JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الصفحة الرئيسية

النافذة المفتوحة


تُرجمت بواسطة  :- أبابـيل صلاح غازي  و آية حسن فالح
_ قالت شابة في الخامسة عشرة من عمرها  : " عمتي ستنهار في الوقت الحاضر، سيد نوتيل. في هذه الأثناء يجب أن تحاول أن تتحملني ".
_حاول فرامتون نوتيل أن يقول الشيء الصحيح الذي يستطيع أن يتملق به ابنة أخت السيدة هذه اللحظة كما ينبغي، من غير أن ينتقص من أهمية العمة التي ستأتي. كان ينتابه شك بينه وبين نفسه أكثر من اي وقت مضى بجدوى هذه الزيارت الرسمية المتتابعة للغرباء في المنطقة أن يكون لها أثر يذكر في علاج الاعصاب الذي يخضع له حاليا.
_" أنا أعرف كيف ستكون الامور"  هكذا
_قالت له أخته عندما كان يستعد للهجرة الى هذا المعتزل الريفي.. أنك سوف تدفن نفسك هناك . ولن تجد كائناً تتكلم معه . ستصبح أعصابك اسوأ مما كانت عليه من الكآبة. ولكن على كل حال سأعطيك رسائل تقدمك الى كل الاشخاص الذي أعرفهم هناك. كان بعضهم على ما اتذكر ،  جداً لطيفين".
_تعجب فرامتون عما إذا كانت السيدة سابلتون المرأة التي يقدم لها الان واحدة من رسائل التعريف التي معه تندرج ضمن المجموعة اللطيفة.
_تساءلت ابنة اخت السيدة سابلتون بعدما شعرت أن فترة صمت طويلة قد خيمت على حديثهما:" هل تعرف أناسا كثيرين هنا؟"
_ أجاب " بالكاد أعرف واحدا" . واضاف:" أختي كانت تقيم هنا.. في بيت القسيس قبل حوالي أربع سنوات. وأعطتني رسائل تعريف لبعض الناس هنا". قال فرامتون نوتيل جملته الاخيرة بنبرة تنم عن اسف بالغ.
_ اذن " انت لا تعرف شيئا عن  عمتي ؟؟ " سألته الشابة الصغيرة المتزنة
_قال معترفاً " فقط إسمها وعنوانها "  وكان نوتيل  في غمرة من العجب، هل السيدة سابلتون متزوجة؟ أم ارملة ؟ شيء ما غير محدد في الغرفة يعطي احساساً بأن هذا مسكن للرجال.
_قالت الشابة: "مأساتها الكبيرة  حدثت منذ ثلاث سنوات مضت فقط .. وأردفت :" لا بد أن ذلك حدث ايام كانت أختك هنا".
_ مأساتها؟؟؟ سأل نوتيل بدهشة. المآسي في هذه البقعة الريفية الهادئة وتبدو عديمة الحدوث!
_"ربما انت تتعجب لماذا نبقي تلك النافذة  مفتوحة دائما بعد الظهر في أكتوبر " قالت الفتاة وهي تشير
بإصبعها الى شباك فرنسي ضخم يطل على العشب الأخضر .
_ " الجو دافئ تماما في مثل هذا الوقت من السنة" قال نوتيل ، لكن هل لتلك النافذة علاقة بالمأساة؟!
_ "الى الخارج عبر تلك النافذة رحل زوجها واخواها الشابان لعدة أيام للصيد كعادتهم قبل ثلاث سنوات في مثل هذا اليوم تماما .. لكنهم لم يرجعوا أبدا.. لقد غرق ثلاثتهم في جزء من المستنقعات الغادرة . بينما كانوا  يقطعونه الى الارض المفضلة لديهم. لقد كان صيفا رطبا ومروعا . والاماكن التي كانت دائما آمنة في السنوات الأخرى تغيرت فجأة دون سابق إنذار. لم يتم انتشال أجسادهم فغابوا فيها الى الابد.. كان ذلك الجزء المروع منها".  وفقدت الفتاة نبرة الصوت الواثق، وتحول الى صوت متلعثم مضطرب: "
 مسكينة عمتي تعتقد أنهم سيعودون يوماً ما.  هم والكلب البني الصغير الذي ضاع معهم، وسيرجعون عائدين عبر تلك النافذة كما فعلوا دائما. لهذا السبب تبقى النافذة مفتوحة كل مساء حتى مجيئ الظلام . مسكينة عمتي العزيزة .. لقد أخبرتني مراراً كيف رحلوا. كان زوجها يحمل معطفه الابيض المقاوم للماء فوق ذراعه، وأخوها الاصغر روني يغني: (بيرتي، لماذا تقفزين ) كما كان يفعل دائماً لمضايقتها لأنها قالت إنها تثير أعصابها . هل تعلم أنه في بعض الأحيان ينتابني احساس داخلي مخيف  في الامسيات الهادئة  كهذه أشعر أنهم جميعا سوف يدخلون عبر تلك النافذة".
وتوقفت فجأة عن الكلام، وانتابتها رعشة خفيفة. كان شيئا يبعث على الارتياح بالنسبة لفرامتون عندما دخلت العمة الى الغرفة باستعجال مع  الإعتذار عن  تأخرها في ترتيب مظهرها.
قالت: " آمل أنك تسليت بعض  الشيء بحديث فيرا "
_"لقد كانت ممتعة للغاية "قال فرامتون
 " آمل ألاّ تمانع بجعل النافذة مفتوحة". واضافت السيدة سابلتون بخفة : سيعود زوجي واخواني الى البيت، وهم دائما يأتون بهذه الطريقة. لقد خرجوا للصيد في المستنقعات  اليوم . وبالتأكيد ستحدث فوضى فوق سجادتي القديمة !! مثلكم يا رجال، أليس كذلك؟!
وراحت تثرثر بمرح وابتهاج عن الصيد  وندرة الطيور، وإحتمالية العثور على البط في الشتاء.. بالنسبة لفرامتون كان كل شئ مرعباً تماماً . وبذل جهدا مستميتا في تحويل الحديث الى موضوع آخر اقل اثارة وترويعا، ولكنه نجح جزئياً بتحويل الحديث إلى موضوع اقل بشاعة . كان مدركاً ان المضيفة اي العمة كانت تعطيه جزءاً صغيراً من انتباهها وكانت عيناها تحدقان بإستمرار إلى النافذة المفتوحة والعشب الأخضر .
 كانت بالتأكيد مصادفة مؤسفة  التي جعلته يقوم بزيارته في هذه الذكرى المأساوية.
_ "وافق الأطباء على اعطائي استراحة تامة، والابتعاد عن أي نشاط ذهني، وتجنب أي تمرين بدني ذي طبيعة عنيفة"  اعلن فرامتون الذي احتمل الوهم الشائع على نحو كبير بأن المعارف العابرين والغرباء  تواقون لأقل التفاصيل عن الأمراض ، وما هو سببها وعلاجها . وتابع قائلا:" أما بشأن الحمية فان الاطباء غير متفقين تماما".
_كلا؟ قالت السيدة سابلتون بصوت أعقبه تثاؤباً في اللحظة الاخيرة. ثم أشرقت ملامحها فجأة في انتباه يقظ ، ولكن ليس الى ما كان يقوله فرامتون. وصاحت:" ها هم عادوا أخيرا .. في موعد تناول الشاي.. ولا يبدو عليهم أنهم كانوا غارقين في الطين حتى عيونهم "!
_ارتعش فرامتون قليلا، واتجه نحو ابنة الاخت بنظرة تحمل مشاعر التعاطف وإستيعاب الموقف. كانت الفتاة تنظر للنافذة المفتوحة برعب مذهل واضح في عينيها. في صدمة شديدة من الخوف المجهول فإذا فرامتون يستدير في مقعده ونظر في نفس الاتجاه.
كانت تبدو في حمرة الافق التي تغطي الكون، ثلاثة خيالات تمشي تقطع العشب الاخضر نحو النافذة.. كانوا جميعهم  يحملون الأسلحة تحت أذرعهم، وكان أحدهم يحمل معطفاً أبيض على كتفه.. وكلب بني صغير يمشي متعبا في أعقابهم.. اقتربوا من المنزل بدون اي صوت .. ثم دوى صوت قوي غليظ يغني عند  الغسق :" أنا قلت ..(بيرتي.. لماذا تقفزين ؟)"
أمسك فرامتون عصاه وقبعته بعنف ، وخرج مسرعاً عبر باب حجرة الجلوس والممر المرصوف بالحصى والبوابة الخارجية التي أصبحت معتمة قليلا.. فاضطر راكب دراجة كان يسير في الشارع على وشك الاصطدام به " ها نحن هنا يا عزيزتي" قالها حامل المعطف الأبيض ، وهو يدخل من النافذة الكبيرة... وأردف: " الطين يغطينا تماما.. لكن معظمه قد جف.. من كان ذاك الذي أنسحب خارجاً عندما وصلنا؟؟
_ أجابت السيدة سابلتون: "رجل غير عادي جدا.. السيد نوتيل ". وأضافت قائلة: " لايتكلم الا عن مرضه فقط .. وانطلق خارجا  دون أن يقول كلمة وداع واحدة أو يعتذر لك عندما وصلت. قد يعتقد المرء أنه رأى شبحاً
_قالت ابنة أختها بهدوء: "أنا أتوقع أنه الكلب الصغير.. لقد أخبرني أنه يخاف من الكلاب. فقد حاصرته ذات مرة مجموعة من الكلاب المتشردة في مقبرة في مكان ما على ضفاف نهر الغانج ، فأضطر أن يمضي الليل بطوله في قبر فارغ يبدو أنه قد حفر حديثاً بينما بقيت الكلاب تعوي وتزمجر وتزبد فوقه، وهذا كافٍ لجعل اي شخص يفقد أعصابه"!  كان ابتداع المغامرات الخيالية  لعبتها !.

" بيرتي، لماذا تقفزين؟"  كان عنوان أغنية شائعة في مطلع القرن العشرين. ولكن هناك تلاعب مقصود بالألفاظ . فالمقصود ليس تقفزين ولكن لماذا تسيئين ادب التصرف مع الآخرين! 
reaction:
author-img

الخطى

صاحب الامتيازمتخصص في قسم: كل الاقسام مؤسسة الخطى للثقافة والإعلام | مؤسسة اعلامية ثقافية تقدم خدماتها من اجل تطوير المجتمع العراقي في مجال الثقافة والاعلام تأسست على يد عدد من الشباب الاكاديمي العامل في الوسط الثقافي والاعلامي.
تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة