بقلم: تبارك وليد الوائلي
مؤسسات الدولة الأبوية هي نواة أساسية في بناء النظام الأبوي وأدواته المسلطة على رِقابنا كنساء وأيضًا ركن مهم للحفاظ عليه والإبقاء على قواعده الأساسية ومرآة ينعكس من خلالها الفِكر القائم عليه هذا النظام أى الفكر الذكوري، هذه الإنعكاسات تتجسد على أشكال تمسنا نحن النساء بشكل واضح خصوصًا في كيفية تناول هذه المؤسسات لقضايا العنف ضد النساء في مجتمعاتنا.
هذه المؤسسات التي يُسوق لها وتسوق نفسها انها وجدت لحمايتنا تطبق سياسات وإجراءات متسقة تمامًا مع الفِكر المؤدي للعنف ضد النساء وفي تناولها لقضايا العنف ضد النساء تؤكد للرجال أن سلطتهم على النساء وسطوتهم على حياتنا هي سلطة لن تعاديها هذه المؤسسات، بل إن هذه المؤسسات متورطة في تكريس واستمرار العنف ويتجسد ذلك بشكل جلي في تعاملها مع العنف ضد النساء على أنه " شئون عائلية" أو "خلافات أُسرية".
هذه المؤسسات التي تدعي حمايتنا عادة ما تتدخل بعد وقوع الأذى كردة فِعل لا غير، فلا يوجد ضمن سياساتها او مصالحها أي توجه لحماية النساء من العنف قبل وقوعه من خلال التعامل مع جذور المشكلة لا من خلال تناول قضية العنف ضد النساء على أنها جرائم فردية و بمعزل عن المنظومة السياسية والإجتماعية التي تمخض عنها هذا العنف ، وحتى وإن تدخلت فتدخلها لا يُنصف الضحايا/الناجيات وهذا يتناقض مع مطلبنا وهو الحاجة لتغيير جذري لمنع وقوع الأذى وليس فقط التدخل بعد وقوع الأذى.
هل تحمينا الشرطة من العنف؟
مفوضيات الشرطة أو أقسام الشرطة كمحطة أولى مفترضة تُستخدم للإبلاغ عن العنف بتعامل أفرادها حاملي الفكر الذكوري مع البلاغات بإستخفاف وعادة ما يحاول الأفراد العاملين في هذه ثني صاحبة البلاغ عنه من خلال محاولة إقناعها أن تقديم بلاغ في حق أحد رجال الأسرة هو فِعل مشين وأن هذه المشاكل حلها ليس هنا، مما يعطي إشارة واضحة للمعنفيين أن هذه المؤسسات لن تتعدى على سلطته ولن تتدخل في حيزه الشخصي حيث يحدث العنف، بل ستمد له يد المساعدة وتعطيه الضوء الأخضر للإستمرار مستقبلا بهذا العنف.
في بعض الدول العربية وفي حالة تقديم بلاغ ضد مُعنف داخل أحد مراكز الشرطة أو المؤسسة المعنية يُرسل إشعار للمعنف بوجود بلاغ ضده دون الأخذ بعين الإعتبار مكان تواجد الضحية وأمانها في تلك اللحظة أو يأخذ العاملين في هذه المؤسسات تعهدات صورية من المُعنف بوقف هذا العنف وتمنحه فرصه جديدة لممارسة هذا العنف دون تعرضه للمساءلة.
في حال كان مُرتكب الأذى ليس أحد أفراد العائلة لا يختلف تعامل هذه المؤسسات جوهريًا مع العنف على وجه الخصوص العنف الجنسي، تُعامل بهذه الحالة بمنطق ذكوري من خلال سؤال الضحية عن سبب تواجدها في الحيز العام أو في المكان الفلاني وماذا كانت ترتدي في حينها، هل سبق لها أن مارست الجنس؟ هل هي عذراء؟ كأن الطرفين متساويين في الأذى الواقع مع تجاهل لهرميات القوى.
في حال كانت مرتكب الاعتداء الجنسي أحد أفراد الأسرة تدفع هذه المؤسسات الملف بإتجاه حل المشكلة بشكل ودي وتحت سلطة رجال العائلة. حل يؤدي غالبا لإعادة الضحية/الناجية تحت ذات السقف مع المعُتدي وذلك بحجج ومبررات ذكورية مثل " سمعة العائلة" و "شرف الفتاة".
هل يحقق لنا القضاء العدالة؟
مؤسسة القضاء لا تختلف في تتاولها لقضايا العنف ضد النساء عن مؤسسة الشرطة وباقي المؤسسة الأمنية، اي انها قضايا فردية ومشاكل عائلية. حتى في حال نجاح الضحية/الناجية بتقديم بلاغ وبدوره يصل للنيابة العامة والقضاء تتعامل هذه المؤسسات في حال استلامها الملف على تكييف الاعتداء/ الجريمة تتيح خلاله للمُعتدي إيجاد مخرج أو مكافآت بعقوبات مخففة، أو رد القضية للأسرة والعشائر حيث هناك تُدفن العدالة في مجالس رجال هم ايضًا متورطين بهذا العنف وليس من مصلحتهم تحقيق العدالة.
بيروقراطية القضاء تكرس العنف ضد النساء من خلال سيرورة إجراءات مثل جرجرة الناجيات والضحايا في المحاكم على فترات زمنية طويلة تميت القضايا ومن خلال مطالبتهن بإدلاء شهادات متكررة وتفاصيل تعيد للضحايا/الناجيات مرارًا وتكرارًا متسببة بعنف نفسي يدفعهن للتنازل في كثير من الأحيان.
هل وجدت دور الآمان لأمننا ودور الرعاية لرعايتنا؟
توفر الدولة الأبوية في بعض الأحيان "دور رعاية" أو "بيوت أمان" منشآت بعيدة كل البعد عن تسميتها. دور الرعاية في منطقتنا وفي حال استقبال الفتيات المهددات بالقتل من قبل عائلاتهن أو معنفات تُمارس على المعنفات صنوف جديدة ومبتكرة من العنف النفسي والجسدي ووضع قيود شديدة على حريةالحركة للنساء نزيلات دور الرعاية التي يشبهنها الكثيرات بسجون لا يدخلها هواء ولا شمس أو قبور دفنت فيها فتيات سعين للنجاة وللحياة.
تُجبر بعض الفتيات داخل دور الرعاية على الزواج قسريا ولعدم توفر أي خيارات أخرى لنيل الحرية أو يبقين هناك طالما المُعنف/ولي الأمر لا يرغب بعكس ذلك. وفي دول أخرى مثل فلسطين تشترط دور الرعاية مدة زمنية معينة على النزيلات من بعدها يجب عليهن المغادرة وتدبر أمر حمايتهن بأنفسهن وقد سبق وأن خرجت فتيات من باب دار الرعاية وقتلن من قبل الأهل بعدها.
#نحو_وعي_نسوي