الكاتبة : تبارك الوائلي
تعاني المرأة مشكلاتٍ وتحديّات عديدة في ضل عقول متحجرة خاضعة للمجتمع والعادات والتقاليد ، حتى بدت اجيالنا فاقده للضمائر واحترام وتقدير وحرية المرأة ، ولا ننكرُ مهما بدا مجتمعُنا مُرتدياً ثوبَ الثَّقافةِ ، وناطقاً بلسانِ التَّطوُّرِ والتَحضُّر إلا أن تحضُّرَهُ لم يتعدى قشوره وظاهره.
أن تكوني أنثى في مجتمع شرقيٍّ أمر ليس سهلاً البتة ، فهو يعني غالباً أن تكوني خلف ظلِّ رجل ، تابعة له تحت أيِّ ذريعة إما خوفٍ أو عادات وتقاليد أو واجبات ماديّة. هذا يعني أنه دائماً هناك ما يقيِّدُكِ إن كنتِ طموحةً وعلا سقفُ أحلامكِ، هناك من يريدكِ دوماً خاضعةً له تحت سيطرته، لا يريدَ تقدُّمكِ في أي مجال خارجَ محيطِ جدران البيت.
يرَّبون الفتاة على قصَّةِ فارس الأحلام الذي تعيش وتتنفس لوجودهُ ، فيزرعون بها منذ الصِّغر فكرة الزواج وأن الرجل كمصباح علاء الدين وهو ملاذها لتحقيق أحلامها.
قد تطمحُ لدراسةٍ أو عمل معين فتُحظر وتقمعُ رغبتها من التسقيط والامور البذيئة التي لطالما كانت المسبب الاول في تدمير احلام نسائنا ، فيتحول حلمها للتخلص من الالسنه الضارة والباطلة لانها تجاوزت حدودَ أسوار مدينتها من خلال نشر افكارها او ظهورها في الساحة . لتتحول رغبتها الصارمه بالزواج ، فتجدهُ الحل الانسب لكل مشاكل المجتمع التي تحيطها .
او ان تكبر وتصبح في عمرِ الزَّواج إن أُتيحَت لها فرصة الاختيار ولم تُصِب في اختيارها فستبقى تتجرع علقمَ عواقبِ سوءِ اختيارها ، خوفاً من أن تسمع لاذعَ اللَّومِ والعتاب، فتضطَّرَ لتمثيل دور بطولةِ السعادةِ في نصِّها المسرحيّ.
وإن تزوَّجت باختيار أهلها وأخفقوا في توقُّعاتهم، وتوجَّهت لهم بالشكوى نصحوها دائماً بالصَّبر، وأوهموها أنه سيتغير مع الأيام ، وذكروها بأجر الصبر ، وشماتة الأعداءِ والعائلةِ والجيران.
وإن طُلقت انهالَ عليها سيلُ اللوم والاتهامات بالتَّقصير وأنه كان يحتَّمُ عليها احتواء الزّوج ، وتغيير عاداته السَّيئة، فتخرجَ من أَسرِ الزَّوجِ لقيدِ المجتمعِ بأكمله.
وإن طفح كيل طاقتها وطلبت الطلاق يوماً ستضطَّرُ لتقديم تنازلات عن حقوقها أو أطفالها لأنها لا تقدر على إعالتهم، ناهيك عن محاولةِ تشويه صورتها من قبل شريكها السابق ، ونشر الروايات والأكاذيب عنها ، وتتبُّعِ خطواتها بحثاً عن أي زلَّةٍ يتشبثُ بها كالكنز ليُشبع نقصَ أخلاقه، ويخرج نفسه من دائرةِ الاتهام.
لن تسمح لها عائلتها في الغالب السَّكن بمفردها ، وحتى إن كان لديها أبناء وخاصة إلم يكونوا ذكوراً، ففي نظرهم ستصبحَ فريسةً سهلةً للطّامعين ، لأنهم تربّوا في مجتمع لا يَرى أن الأنثى كياناً مستقلاً لوحدها، لا بدَّ أن يرتبط اسمها بأبٍ أو زوجٍ أو أخ .
أن تكوني أنثى في مجتمعٍ شرقيّ يعني أن تصبري على خياناتِ زوجكِ المُتكرِّرة، أو تعنيفه الجسدي أو اللَّفظي أو المعنوي، ثم تبتسمين له نهايةَ يومكِ الزّاخرِ بالألم. يعني أن تصبري على سوء أحواله الماديّة، وأن تكوني له الزوجة المثاليّة، وأمَّ الأولاد المربيَّة الحنونة الحكيمة الصَّبورة، والصّديقة، والعشيقة، أما إن قصَّرتِ في حقِّهِ وجبَ عليهِ طلاقكِ واستبدالكِ بأخرى باعتبار أنَّكِ قطعة اثاثٍ في بيته، أو جرحكِ والزَّواج بأخرى وابقائكِ على ذِمَّتِه لأنك أم الأبناءٍ وراعيتُهم.
أن تكوني أنثى في مجتمعٍ شرقيّ يعني في كثير من الأحيان أن تضيعي فرصاً مناسبة للزواج والاستقرار لأنك البنت الوحيدة في البيت وتقع على كاهلكِ مسؤولية أعمال البيت ورعاية أمك المريضة.
عاداتٌ وتقاليد باليةٌ لا تمُتُّ للدين بصلة، توارثناها أباً عن جد، عاداتٌ تسمح للابن الذكر أن يمارس كامل حريَّتِهِ، يدرسُ ما يحب، يعمل في أيِّ مجالٍ، يسافر حيثُ يريد، لا تكبَّلُ أحلامُهُ، إنّما تُطلقُ لأبعد مدى، إن أخطأ يقولون يبقى رجلاً إما إن أخطأت هي ففضيحةٌ وعار. يظنّونَ بتفكيرهم الضيِّق أن الشرف مصطلحٌ خاصٌ بالأنثى، ينحصر مفهومه بالجسد.
بيد أن الشرف له أوجهٌ عديدة فتتبع أعراض الناس وأذاهم وظلمهم ونكران معروفهم أيضاً قلَّةُ شرف.
عزيزتي ضعي هذه المقولة حَلَقاً في أُذنكِ "لا حريّة فكرية بلا استقلالية ماديّة "فاجعلي سعيكِ دائماً لتحُقِّقي استقلاليَّتك المادية لتكوني أكثر حريَّةً في اختياراتكِ وقراراتكِ.
لا تُصدِّقي كذبة أن المال ليس الأهم في ظلٍّ هذه الغابة البشرية التي نحيا بها ، وإجحاف كثيرٍ من القوانين بحقِّكِ، فنحن في زمانٍ يقال فيه: لمن تشكو وغريمكَ القاضي! فالعدل في الأرض قلَّ وندر، فلا تتكئي على أحد، وكوني قويّةً بذاتكِ، وإنجازاتكِ.
لا تجعلي الزّواجَ همكِ الأول فهو ليس وسيلةَ تحقيق الأحلام، تعلّمي وبالعلم تسلَّحي، اعملي، تطوّعي، ألقِ نظرةً على مجتمعك البائس وانخرطي به، لتخرجي من دائرة عالمكِ المثالي فتفهمي النّاس وتقرأي شخصياتهم، وتكتسبي مهارة حل المشكلات وحسن إدارتها والخروج منها بأقل الخسائر.و
وأنتم أيها الآباء والأمهات يكفيكم أن تُربّوا بناتكم بالشكل الصّحيحِ السَّليم على المبادئ والأخلاق التي لا تتجزَّأ، علِّموهنَّ أن يكنَّ سيِّداتُ أَنفسهنّ، حينها لن يُضيركم أن تمنحوا لهنَّ الحرية في اختياراتهن مع التوجيه والنصحِ لا الإجبار، أطلقوا لأَحلامهن العنان، وتذَكروا أن الرِّفق بهن وصيَّة رسول الرحمن .
ولا أنسى أن أقدِّم برقيَّةَ شكرٍ واحترام لكلِّ رجلٍ يساند الأنثى، ويشدُّ عضُدها ولا يتكلم عنها بسوء سواء حقيقة فكرية او سمعية ، تحية واحترام وتقدير لذلك الرجل الذي جلس مع اصدقائهُ سامعاً اياهم يتكلمون عن انثى بسوء فرفض الجلوس قاطعاً حديثهم وايقافهم التشهير بنساء العالم .
تحية لكلِّ رجلٍ ينصفها ويجعلها تكتشفُ إلى أحلامها سبيلاً للنجاح والطموح الاعلى يكمن في قوتها ، لكلِّ رجلٍ يكون عوناً لها لا عبئاً يثقل كاهلها ، لكل من يأخذ بيدها ويحترم إنسانيتها ، وينصرها ظالمة أو مظلومة .