بقلم: الدكتور عمر حسين سلمان، دكتوراه في هندسة أنظمة الكمبيوتر في كلية الهندسة في الجامعة العراقية
تهدف رؤية العراق للتنمية المستدامة 2030 إلى تعزيز كفاءة قطاع النفط الحيوي وتوفير فرص العمل بالإضافة إلى تحقيق المزيد من الأهداف كتطوير البنية التحتية وتعزيز القطاع المالي، كل ذلك بهدف تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع ومستدام. وتركز الدولة على تنويع الاقتصاد من خلال الاعتماد على إيرادات النفط في تطوير قطاعات جديدة متطورة.
وكشفت أرقام الاتحاد الدولي للاتصالات أن أكثر من 60% من السكان يمكنهم الوصول إلى الإنترنت وأن عدد مشتركي الهاتف المحمول وصل إلى 37.5 مليون شخص من بين سكان البلاد الذين يبلغ عددهم 40 مليون نسمة، مما يعني أن العراق يمتلك البنية التحتية الرقمية اللازمة لنشر التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة. كما يمكن للعراق الاعتماد على موقعه الجغرافي المميز - على مفترق الطرق بين المناطق الرائدة على المستوى العالمي في توفير اتصال البيانات - لكي يصبح من مراكز البيانات المتقدمة في المنطقة.
ويعتمد التطور التقني بشكل كبير على البيانات والتي تعتبر من المقومات الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يسهم تحليل البيانات في تعزيز كفاءة إدارة الموارد والإنتاجية الاقتصادية والرعاية الصحية والتنبؤ بالكوارث الطبيعية وإدارتها - على سبيل المثال لا الحصر.
وأشارت التوقعات إلى أن سوق تحليل البيانات الضخمة سيصل إلى 103 مليار دولار على المستوى العالمي بحلول عام 2023، حيث قالت 97.2% من المؤسسات إنها تستثمر في البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. كما أشارت أرقام هواوي إلى أنه سيتم إنتاج أكثر من 180 زيتابايت من البيانات بحلول عام 2025، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على تخزين البيانات بنسبة 19.2% سنوياً حتى عام 2025.
ويعتبر تحليل البيانات دليلاً على كفاءة قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات وقدرته على مواكبة التحول الرقمي على المستوى العالمي، ولكن إدارة الكميات الكبيرة من البيانات التي تنتجها المؤسسات يتجاوز القدرات البشرية. ولذلك يمكن الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة - باعتبارها من الأصول الأساسية للمؤسسات - ومعالجتها ثم اتخاذ القرارات المناسبة من أجل تحسين كفاءة الإنتاج والوظائف الذكية.
وتلعب هواوي دوراً فاعلاً على مستوى استخدام التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي التي تحمل معها كفاءات كبرى في تحليل البيانات وتقنيات البحث، فقد توقعت الشركة أن تصل نسبة الشركات التي ستعتمد على الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي إلى 86% بحلول عام 2025.
وللحفاظ على القدرات التنافسية للعراق في قطاع الطاقة العالمي، يجب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة. ويمكن تحديد الأعطال المحتملة في البنية التحتية لقطاع النفط - على سبيل المثال - بشكل استباقي بالاعتماد على تحليل البيانات بكفاءة وفي وقت قصير، مما يحد من تكاليف الصيانة. كما أن تحليل الزلازل بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي يتيح تحديد حقول النفط بكفاءة ودقة، فيما يسهم تحليل البيانات في تحقيق الأهداف الإنتاجية. والجدير بالذكر أن هواوي استطاعت أن تحدث نقلة نوعية في هذا المجال من خلال إطلاق حل "حقول النفط والغاز الذكية" المصمم خصيصاً لمساعدة الشركات العاملة في القطاع على التحول نحو التكنولوجيا الرقمي.
ويواجه العالم نقصاً كبيراً في محللي البيانات المؤهلين والذين تحتاج إليهم مختلف القطاعات وليس قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات فحسب. وقدّرت شركة Korn Ferry للأبحاث أن يصل النقص في محللي البيانات على المستوى العالمي إلى 85.2 مليون محلل بحلول عام 2030، مما قد يؤدي إلى العجز عن تحقيق إيرادات محتملة تصل قيمتها إلى 8.452 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030 - أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا واليابان.
ولذلك تتمثل إحدى الأولويات الرئيسية الأخرى لتعزيز نمو الاقتصاد الرقمي في العراق بالاستثمار في المواهب التقنية المتميزة من خلال تشجيع الشباب على التخصص في تقنية المعلومات والاتصالات، لا سيما في التقنيات الحديثة من أجل تلبية الطلب الحالي والمستقبلي على متخصصي الذكاء الاصطناعي. وبالتالي يجب تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص على تنمية المهارات التقنية لأن الجامعات لا يمكنها تنفيذ هذه المهمة بمفردها.
وتسهم هواوي في دعم مبادرات تنمية المهارات في العراق، حيث تعاونت الشركة مع العديد من المؤسسات التعليمية والجامعات من أجل وضع معايير المواهب وبناء التحالفات وتعزيز قيمة المواهب. وحظيت مبادرات هواوي العالمية والإقليمية لإعداد قادة التكنولوجيا في المستقبل بما فيها برنامج بذور من أجل المستقبل وأكاديمية هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات ومسابقة هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات باهتمام كبير في العراق.
وبفضل هذه المبادرات، يمتلك العراق في الوقت الحالي المقومات الأساسية لتنفيذ الخطط المستقبلية بثقة وكفاءة، حيث أكد مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي مؤخراً التزام حكومته بتنمية قدرات الذكاء الاصطناعي ودعم الأبحاث العلمية في هذا المجال. ومن خلال التركيز على تنمية مواهب محللي البيانات ورفدها بالخبرات العالمية، سيتمكن العراق من دفع عجلة التنمية الاقتصادية وجذب المزيد من الاستثمارات وتنمية المواهب الرقمية.
ختاماً أتمنى أن يستمر ويتطور التعاون الريادي بين مؤسسات الحكومة العراقية وشركات تكنولوجيا المعلومات الرائدة في السوق مثل شركة هواوي من اجل العمل على إعداد جيل من محللي البيانات الضخمة ومطوري الذكاء الاصطناعي والاهتمام بهم وتطوير كفاءاتهم على المستوى العالمي، لما لهم من تأثير مهم على قيادة مسيرة التحول في بلادهم نحو مستقبل رقمي ومستدام وبالتالي دفع عجلة التنمية الاقتصادية تماشياً مع خطة ورؤية العراق للتنمية المستدامة في 2030.