نجوان حكمت
الطوطمية عند العرب قبل الإسلام
الطوطمية: نظرية وضعها "ماك لينان" "مكلينان" المتوفى سنة 1881م, خلاصتها:
1- أن الطوطمية دور مَرَّ على القبائل البدائية، وهى لا تزال بين أكثر الشعوب إغراقًا فى البدائية والعزلة.
2- أن قوامها اتخاذ القبيلة حيوانا أو نباتا، كوكبا أو نجما أو شيئا آخر من الكائنات المحسوسة أبًا لها، تعتقد أنها متسلسلة منه وتسمى باسمه.
3- تعتقد تلك القبائل أن طوطمها يحميها ويدافع عنها، أو هو على الأقل لا يؤذيها وإن كان الأذى طبعه.
4- لذلك تقدس القبيلة طوطمها وتتقرب إليه وقد تتعبد له.
5- الزواج ممنوع بين أهل الطوطم الواحد، ويذهبون إلى الزواج من قبائل غريبة عن قبيلة الطوطم المذكور، وهو ما يعبر عنه بـ"Exogamy" فى اللغة الإنجليزية، إذ يعتقدون أن التزاوج من بين أفراد القبيلة الواحدة ذو ضرر بالغ، ومهلك للقبيلة، لذلك يتزوج رجال القبيلة نساءً من قبيلة أخرى غريبة، لا ترتبط بطوطم هذه القبيلة، والمخالف لهذه القاعدة، أى الذى يتزوج امرأة من قبيلته يعرض نفسه للعقوبات قد تصل إلى الحكم عليه بالموت.
6- الأبوة غير معروفة عند أهل الطوطم، ومرجع النسب عندهم إلى الأم.
7- لا عبرة عندهم إلى العائلة، والقرابة هى قرابة الطوطم, فأهل الطوطم الواحد إخوة وأخوات يجمعهم دم واحد.
والطوطمية "Totemism" لفظة أخذت من كلمة "Ototemom" وهى من كلمات قبيلة "Ojidwa" من قبائل هنود أمريكا1, اشتق منها "لانك" "J. Lang" كلمة "توتم" "Totem"، ومنها أخذ اصطلاح "طوطمية" "توتميسم" Totemism الذى يعنى اعتقاد جماعة بوجود صلة لهم بحيوان أو حيوانات تكون فى نظرها مقدسة؛ ولذلك لا يجوز صيدها أو ذبحها أو قتلها أو أكلها أو إلحاق أذًى بها، وتشمل الطوطمية النباتات كذلك، فلا يجوز لأفراد الجماعة التى تقدسها قطعها أو إلحاق الأذى بها. وقد يتوسع بها فتشمل بعض مظاهر الطبيعة مثل: المطر والنجوم والكواكب.
وهم يؤمنون بأن "الطوطم" لا يؤذى أتباعه، فلا يخافون منه، حتى وإن كان من الحيوانات المؤذية التى تلحق الأذى بالإنسان، كالحية أو العقرب أو الذئب. وهم يعتقدون أيضا أنه يدفع عنهم، وأنه ينذر أتباعه إن أحس بقرب وقوع خطر على أتباعه، وذلك بعلامات وإشارات على نحو ما يقال له الزجر والطيرة والفأل.
وهم يتقربون إلى طوطمهم؛ محاولة منهم فى كسب رضاه، فيقلدونه فى شكله ومظهره، وقد يلبسون جلده أو جزءًا من جلده، أو يعلقون جزءًا منه فى أعناقهم أو أذرعهم على نحو من التعاويذ؛ لأنه يحميهم بذلك ويمنع عنهم كل سوء. كما يحتفلون به وبالمناسبات مثل مناسبات الولادة أو الزواج أو الوفاة بنقش رمز الطوطم على ظهر المولود، أو دهن الجسم بدهن مقدس من دهان ذلك الطوطم, إلى آخر ما هنالك من أعراف وتقاليد.
ويؤلف المعتقدون بالطوطم جماعة تشعر بوجود روابط
دموية بين أفرادها، أي: بوجود صلة رحم بينها. والرابط بينها هو ذلك الطوطم الذى تنتمى الجماعة إليه وتلتف حوله؛ ليكون حاميها والمدافع عنها فى الملمات. ومن أصحاب هذا المذهب من لا يذكر اسم الطوطم، بل يُكنى عنه, ويحوز أن يكون ذلك خوفًا منه، أو احترامًا له. وقد يرسم له شعار تحمله الجماعة وأفرادها، ولها قوانين وآراء فى موضوع الزواج الذى تترتب عليه قضية القرابة وصلات الرحم.
وللعلماء نظريات وآراء فى الطوطمية. وهى منصبة على دراسة الناحية الاجتماعية منها، من حيث كون "الطوطمية" نظاما اجتماعيا يقوم على أساس مجتمع صغير مبنى على العشيرة أو القبيلة، أما الدراسات الدينية للطوطمية، فهى بعد هذه الدراسة من حيث التوسع والتبسط فى الموضوع، وأكثر هذه الدراسات أيضا عن قبائل هنود أمريكا الشمالية وعن قبائل أستراليا ثم إفريقيا. أما أثر الطوطمية عند الشعوب القديمة مثل اليونان والشعوب السامية فإن بحوث العلماء فى المراحل الأولى من البحوث، وهى مستمدة بالطبع من الإشارات الواردة فى الكتابات أو المؤلفات أو من دراسات الأسماء.
ومن أشهر أصحاب النظريات فى موضوع الطوطمية "تيلر"Sir E. B. Tylor و"سير جيمس فريزر" "Sir J. G. Frazer"، وهذا الأخير يرفض نظرية الذاهبين إلى أن الطوطمية فى شكلها الأول هى ديانة؛ لأن الطوطم لا يعبد كما يقول على صورة صنم.
ومن أسماء الحيوانات التى تسمت بها البطون والعشائر: كلب، وذئب، ودب، وسلحفاة، ونسر، وثعلب، وهر، وبطة، وثور، وغير ذلك من أسماء حيوانات تختلف بحسب اختلاف المحيط الذى تكون فيه عبدة الطوطم، يضاف إلى ذلك أسماء أشجار ونباتات أخرى وطائفة من أسماء الأسماك. وقد ذكر "بيتر جونس" "Peter Jones" أربعين بطنًا من بطون قبيلة الـ"Ajibwa" لها أسماء حيوانات4.
وقد لاحظ "روبرتسن سمث" "Robertson Smith" أن فى أسماء القبائل عند العرب أسماء كثيرة هى أسماء حيوان أو نبات أو جماد، فاتخذ من هذه الأسماء دليلًا على وجود "الطوطمية" عند العرب، وعلى أثرها فى الجاهليين فأسماء مثل: بنى كلب، وبنى كليب، والنمر، والذئب، والفهد، والضبع، والدب، والوبرة، والسيد، والسرحان، وبكر، وبنى بدن، وبنى أسد، وبنى يهثة، وبنى ثور، وبنى جحش، وبنى ضبة، وبنى جعل، وبنى جعدة، وبنى الأرقم، وبنى دُئل، وبنى يربوع، وقريش، وعنزة، وبنى حنش، وبنى غراب، وبنى فهد، وبنى عقاب، وبنى أوس، وبنى حنظلة، وبنى عقرب، وبنى غنم، وبنى عفرس، وبنى كوكب، وبنى قنفذ، وبنى الثعلب، وبنى قنفذ، وبنى عجل، وبنى أنعاقة، وبنى هوزن، وبنى ضب، وبنى قراد، وبنى جراد، وما شاكل ذلك من أسماء، لا يمكن فى نظره إلا أن تكون أثرًا من آثار الطوطمية، ودليلًا ثابتًا واضحًا على وجودها عندهم فى القديم.
وقد لاقى تطبيق "روبرتسن سمث" نظرية "الطوطمية" على العرب الجاهليين، ترحيبًا عند بعض المستشرقين، كما لاقى معارضة من بعضهم. وقد رد عليه "جورجى زيدان" فى كتابه "تاريخ التمدن الإسلامي"، وبين أسباب اعتراضه على ذلك التطبيق.
نَجَل مولودها، ولا يعرف المولود والده نُسب إلى أمه وعرف بها. وبهذا التفسير، فسر "روبرتسن سمث" ومن ذهب مذهبه من علماء علم الاجتماع، وجود الأسماء المؤنثة عند العرب وعند العبرانيين وعند بقية الساميين.
واتخذ "روبرتسن سمث" من وجود بعض الكلمات فى تسلسل أنساب القبائل مثل: البطن والفخذ والصلب والظهر والدم و"رحم" دليلًا آخر على وجود "دور الأمومة" عند العرب؛ لأن لهذه الألفاظ صلة بالجسم، ولهذا كان لإطلاقها عند قدماء العرب -على حد قوله- علاقة بجسم الأم, ولا سيما أنهم استعملوا لفظة "الحي" كذلك, ولهذه اللفظة علاقة بالحياة وبالدم. وإطلاق الألفاظ فى نظره ورأيه على معانٍ اجتماعية، دليل على الصلة التى كانت للأم فى المجتمع لذلك العهد. وقد بحث "روبرتسن سمث" بحثًا مفصلًا فى الحى، إذ هو فى نظره وحدة سياسية واجتماعية قائمة بذاتها، ويطلق على "الحى" لفظة "قوم" و"أهل"، وينظر أبناء الحى الواحد بعضهم إلى بعض نظرة قرابة, فكأنه من من نسل واحد يربط بينهم دم واحد. وقد استدل "روبرتسن سمث" من معنى "الحي" على وجود معنى الحياة فى الكلمة فى الأصل، كما هو الحال فى اللغات السامية، ورأى لذلك أنها تمثل رابطة قرابة وصلة رحم عند سائر العرب السامية. ويكون أعضاء الحى الأحرار "صرحاء"، وفى العبرانية "أزراح". أما الذين ينتمون إليه بالولاء، فهم "الموالي" يستجيرون به أو بالقبائل أو الأفراد، فيلقون حماية من يستجيرون بهم، ويكون "الجار" فى رعاية مجيره.
و"البطن" فى نظر "روبرتسن سمث" هو أقدم أوضاع المجتمع السامى القديم، ويقوم على أساس الاعتقاد بوجود القرابة والروابط الدموية. ويرى أن مفهومه عند قدماء الساميين كان يختلف اختلافا بينا عنه عند العرب المتأخرين أو عند العبرانيين، أو غيرهم. وقد فهم من اللفظة معنى المجموع الأكبر عند العرب، أي: معنى "شعب" أو "جذم" أو قبيلة، ورأى أن هذا المعنى هو المعنى القديم للكلمة عند العرب1. أما المعانى التى يذكرها علماء اللغة والأدب والأخبار، فهى فى نظره معانٍ متأخرة وضعت فى الجاهلية القريبة من الإسلام، ومن جملة هذه المعانى اختصاصها بالأماكن التى تقيم فيها القبيلة أو العشيرة، وتتألف من جملة عدد من
الدور .
اختلفت نظرة المستشرقين عن نظرائهم من الباحثين العرب في تفسير تسمية القبائل العربية وانتسابها في النهاية لأسماء حيوانات، إلا أن واحدًا من أهم علماء الأنساب في التاريخ، المستشرق الأسكتلندي روبرتسن سميث، ذهب في كتابه «دين الساميين»، صراحة ودون لي عنق التاريخ أو التهرب منه، أن العرب ترجع أصولهم إلى قبائل «الطوطمية»، شأنهم في ذلك شأن نفس القبائل البدائية المتوحشة في أستراليا وأفريقيا وأمريكا الذين كانوا ينتسبون إلى آباء من الحيوانات والنباتات، وكانوا يعبدونها ويتسمون بأسمائها.
ماذا يعني الطوطم؟
معروف أن «الطوطم» لفظ دخل اللغات الأجنبية في أواخر القرن الثامن عشر من لغة الأوجيي لهنود أمريكا، ويطلق على القبائل المتوحشة التي كانت تعتقد أن هناك علاقة نسب بينهم وبين الحيوانات والنباتات، وهذا الطوطم سر وجودهم في الحياة، لهذا كانوا يقدسونه ويعبدونه وينهون عن أكله؛ لاعتقادهم أنه جدهم الأعلى، وأنهم من دم واحد.
وبنى سميث نظريته في طوطمية العرب على انتشار أسماء قبائل مثل بني أسد، بني ثعلب، بني جحش، بنو جراد، بنو قرد، بنو كلب، بني حمامة، وقائمة طويلة عزّزت لديه الشك في انتماء العرب لأصول من الحيوانات.
وفي معرض استعراضه لنظريته، نفى المستشرق الذي حرر الموسوعة البريطانية، أن يكون نسب العرب يعود إلى إسماعيل وقحطان، من آباء التوارة، وحتى تسلسل أنساب القبائل كما هو معروف تاريخيًا ودينيًا في الديانات الإبراهيمية الثلاث، مؤكدًا أن هذه الأنساب تم تأليفها في القرن الأول الهجري لغرض ما في نفوس من قاموا بتأليفها.
تفسير المستشرقين لنسب الطفل إلى الأم في الجاهلية
وذهب سميث في تأكيد روايته عن «طوطمية» العرب إلى أنهم لم يكن عندهم عائلات تنتمي لذكور من الأساس، ولم تكن أنسابهم تتصل بالآباء، بل كان الزواج عندهم على نفس النهج المتبع في بلاد التبت، وذلك بأن تتزوج المرأة برجلين أو أكثر، وأولادها لا ينسبون لأحدهما، بل ينتسبون إلى القبيلة نفسها.
ووافق سميث على تصوراته، أهم المستشرقين من أمثال ويلكن ونولدكه، اللذين اعتبرا أن الأسماء المؤنثة للقبائل العربية تشير إلى نظرية الأمومة التي تؤكد أن العرب لا ينتسبون إلى رؤوس عائلات من الذكور، ووفقًا لذلك فالحياة على الجزيرة العربية في بدايتها كانت محلًا لصراعات كثيرة أهم بين الذكر والأنثى، حيث كان الرجل العربي يجامع المرأة على الطريقة الحيوانية، وباشتراك عدة رجال في أنثى واحدة؛ ما كان يتسبب في جهل نسب الأطفال ولهذا كان ينتسب إلى أمه.
ماذا فعل العرب لنفي نظرية الطوطم؟
خطورة ما قاله سميث، ومن والاه في هذه القضية، جعل الباحثين العرب يجتهدون في البحث لتفنيد تلك الرؤية الشاذة لواحد من أهم باحثي الأنساب في العالم، وخرجت مؤلفات شتى اهتمت بهذه الجزئية وردت عليها.
وعمل جرجي زيدان، الأديب والمؤرخ اللبناني في موسوعته «تاريخ التمدن الإسلامي» على تفنيد تلك الرؤية، وانتهى إلى أن سميث استشهد بأدلة ضعيفة، ونوادر من تاريخ العرب، فجعل الشاذ من المرويات قاعدة، بينما أغفل المسلمات العامة التي أجمع عليها النسابون العرب، لاسيما أن حكايات العالم القديم أغلبها مأخوذ من الخرافات المأثورة عن الأسلاف.
وأكد زيدان أن الرواة العرب معروف عنهم أنهم لا يقبلون رواية إلا بعد تحققها بالإسناد الصحيح، وفقًا لمنهج عملهم في تحقيق الأحاديث النبوية الصحيحة، وخاصة في صدر الإسلام، لاعتمادهم على الذاكرة وإغفالهم الكتابة.
وأرجع ما قاله سميث عن طوطمية العرب للغة السائدة في ذلك التوقيت والتي كانت تجتهد في إثبات مبدأ الارتقاء وإرجاع كل شيء إلى الطبيعة.
فيما هاجم ابن دريد في كتابه الاشتقاق من أسماهم «المشنعون على العرب»؛ بسبب أسماء العوائل والقبائل، معتبرًا أن مسميات الجاهلية من أمثال كلب وكليب وخنزير وقرد ونحو ذلك، جرّت على العرب طعونًا في أصلهم بسبب الجهل بتاريخهم ولغتهم الثرية بعكس اللغات الأجنبية.
ويشرح «الاشتقاق» أصول العرب حتى فيما اختلفوا فيه بين أنساب إسماعيل وقحطان، كما يبيّن مذاهب العرب في تسمية أبنائهم، بداية من اسم النبي محمد، ويقدم تفنيدًا مهمًا للقبائل وأفخاذها وبطونها، وأسماء سادتها وشعرائها في الجاهلية وبعد الإسلام .
العرب يسبقون الغرب في هذه القضية
تاريخيًا، لم يكن سميث أول من نقب عن أسماء القبائل ودلالتها، بل سبقه الجاحظ في كتابه الحيوان، والذي أكد أن العرب قديمًا كانوا يسمون أبناءهم تيمنًا بالكلب والحمار والقرد من باب «التفاؤل»، فكان الرجل إذا ما وُلد له ذكر خرج هائمًا على وجهه في الشوارع، ليحصل على نبئه من أقرب اسم يُعرض على سماعه، فإذا ما سمع إنسانًا يقول حجرًا، سمى ابنه به؛ ليتفاءل فيه بالقوة والصلابة والصبر، وعلى هذا القياس تمضي الأسماء كلها.
كما يؤكد «علم العمران»، والذي تحتل فيه دلالة الأسماء مساحات واسعة من البحث والتحليل، أن كل أمة من الأمم القديمة، وعلى اختلاف مراحل تمدنها، كانت تختار من أسماء الحيوانات ما يلائم عاداتها وتقاليدها، فإذا تدينت انتسبت بأسمائها وأبنائها إلى الأجرام السماوية، أو الحيوانات والأصنام، أما التي كانت تعيش في ظروف خشنة تتلاحم مع الطبيعة، فكان أبناؤها يختارون من الطبيعة والحيوانات ما يعجبون به لإطلاقه على أولادهم، تيمنًا به، وتمنيًا أن يتحلوا بخصال الشجاعة والإقدام.
سر تسمية العرب أبناءهم بأسماء حيوانات
الرجل الشجاع كانوا يرونه شبيهًا للأسد، والفتاة اللطيفة غزالة أو حمامة، وقد جرى ذلك في كافة أمم العالم القديم، ولاسيما تلك التي كانت تعيش على فقه الغزو والحروب الدائمة، وأهل البداوة والتنقل بين نجع وآخر.
وبعيدًا عن العرب، كان قدماء الإنجليز يسمون أنفسهم بذات دلالات التسمية، وشأنهم في ذلك شأن الرومان واليونان والفرس وحتى الجرمانيين والسكسونيين من الأزمنة العتيقة.
والغريب أن «سميث» في معرض بحثه لم يشر إلى مصادر عربية تاريخية أدلت بدلوها في هذا الأمر، ولم تترك فيه تفصيلة إلا وجاءت بشرحها، وخاصة ابن خلدون في كتابه تاريخ ابن خلدون، وما قاله كمال الدين الدميري في «حياة الحيوان الكبرى» والذي شرح فيه تفصيليًا لماذا تمسّك العرب القدامى ببداوتهم لأقصى درجة، ولذلك كثرت عندهم الأسماء ليست فقط التي تستلهم سمات الحيوان، بل كانت هناك المتعلقة بالحروب، كحرب ونصر وعدوان وعبس وأشجع وسهم وصخر.
كما كشف الدميري في كتابه أن القبائل الملتزمة دينيًا كانت تتبرك بآلهتها عبر الانتساب لأصنامها التي يعبدونها؛ كعبد العزى، وعبد مناة، وعبد شمس، وحتى لما أسلمت القبائل انتقلت نفس العقائد الفكرية، فكثرت الأسماء المنسوبة لله وصفاته، مثل عبد الله، وعبد الرحمن وغيرها.
وفي العصور الحديثة، عندما تمدن العرب وتحولوا للصناعة، اصطحبوا معهم معتقداتهم، وباتت هناك عائلات تعرف بـ«النحاس – النجار – الخراط – الجزار – السمكري»، وبمرور الزمن قلت العصبية للنسب، وظهرت اصطلاحات جديدة تعلي من قيمة الوطن والانتساب إليه، وظهرت أسماء الدمشقي والبغدادي والبصري، والبخاري.
ومن كل ما سبق، يتضح أن بقاء بعض العائلات التي تنتسب لأسماء بعض الحيوانات ثبت بالدليل القاطع أنه لا علاقة له بالطوطمية، وليس هناك جذر ينتهي بنسب تلك العائلات للحيوان المسماة باسمه حسب زعم بعض المستشرقين الذين تحتاج الكثير من كتبهم إلى مراجعات دقيقة، والرد عليها بلغة علمية بعيدة عن التعصب وحبكة المؤامرة، فربما يحتاج إليها الغرب لإعادة رسم تصوراتهم عن عرب اليوم أكثر من احتياج العرب أنفسهم لذلك.